في عمق الوسط الغربي للبلاد التونسية ، حيث تعانق جبال الشعانبي السحاب وتُوشّح الأرض بأسرار الحضارات، تنتصب مدينة القصرين شامخة كجبلها، صامدة كأبطالها، وناطقة بتاريخها المجيد الذي يفيض بالحكايات، والبطولات، والآثار، والأسماء... لكن، ما سرّ هذا الاسم؟ من أين جاء لقب "القصرين"؟ وكيف أصبح هذا الاسم عنوانًا للهوية، والذاكرة، والمقاومة؟

تسمية رومانية... محفورة في حجارة التاريخ

يُرجّح المؤرخون أن تسمية القصرين تعود إلى العهد الروماني، حين كانت هذه الربوع تزخر بقصور فخمة وضيعات زراعية كبرى، يشرف عليها حكّام رومانيون.
وكانت كلمة "Castrum" تُطلق على المواقع المحصنة أو القلاع، ومع تعريب اللفظ تحوّلت إلى "قصر"، ومنه جاء اسم "القصرين"، في إشارة إلى تعدّد القصور أو الحصون القديمة التي كانت قائمة في الجهة.

الآثار شاهد حيّ على المجد القديم

من يتجوّل في سبيطلة، أو في أطلال تالة، وفوسانة، وحيدرة، يلمح ملامح هذا المجد الدفين: أعمدة رومانية، مسرح أثري، معابد، فسيفساء، ومنازل محصنة، وكأنها صفحات من كتاب يحمل عنوانًا واحدًا: "القصرين، حارسة الحضارات وأرض القلاع".

من معقل للقصور... إلى معقل للمقاومة

لكن القصرين لم تكن فقط موطنًا للحضارات، بل أصبحت مع الزمن قلعة للمقاومة والتحدّي، من ثورة الفلاحين بقيادة تكفاريناس الى ثورة علي بن غذاهم، فمعارك التحرير الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، ومن شهداء انتفاظة الخبز في 1984، إلى ثورة 17 ديسمبر - 14 جانفي، بقي اسم القصرين مرادفًا للفداء، والعزة، والوفاء للوطن.

اسم لا يموت... وهوية لا تُنسى

في كل حجر من حجارة الشعانبي، وفي كل مَعْلم أثري، وفي كل حي شعبي من أحياء القصرين، ينبض هذا الاسم بالحياة. القصرين ليست مجرّد مدينة، بل رمز لهوية وطنية صامدة، وصوتٌ للجهة التي قاومت التهميش بالكرامة، ورسّخت مكانتها في وجدان التونسيين.

القصرين... سفر مفتوح في ذاكرة الوطن

القصرين... ليستِ مجرد اسم على الخريطة، بل قصيدة من المجد، ورواية من الصمود، وصفحة مشرقة من تاريخ تونس. وما دام في الوطن نبض، سيبقى اسمك يا قصرين يُتلى على الألسن، وتُسجّله القلوب بأحرف الفخر والامتنان.

بقلم عمار الرحموني

فريق العمل

إشترك الأن

إذاعة القصرين